عدد المساهمات : 815 نقاط : 2639 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
موضوع: إنه صديق الطفولة 8/2/2011, 12:36
إنه صديق الطفولة .. ,, بسم الله الرحمن الرحيم والصلاه والسلام على على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه اجمعين. ورقة صغيرة كتبت بخطٍ غير واضح ، تمكنت من قراءتها بصعوبة بالغة ... مكتوب بها : فضيلة الشيخ : هل لديك قصة عن أصحاب أو أخوان .. . أثابك الله ...كانت صيغة السؤال غير واضحة ، والخط غير جيد.. .سألت صديقي :
ماذا يقصد بهذا السؤال ؟ وضعتها جانباً ، بعد أن قررت عدم قراءتها على الشيخ ، ومضى الشيخ يتحدث في محاضرته والوقت يمضي ... أذن المؤذن لصلاة العشاء . .توقفت المحاضرة ، وبعد الآذان عاد الشيخ يشرح للحاضرين ، طريقة تغسيل وتكفين الميت عملياً ... وبعدها قمنا لآداء صلاة العشاء ... وأثناء ذلك أعطيت أوراق الأسئلة للشيخ ومنحته تلك الورقة التي قررت أن استبعدها ، ظننت أن المحاضرة قد انتهت ... وبعد الصلاة طلب الحضور من الشيخ أن يجيب على الأسئلة، عاد يتحدث وعاد الناس يستمعون ، ومضى السؤال الأول والثاني والثالث ،هممت بالخروج ، استوقفني صوت الشيخ وهو يقرأ السؤال ، قلت : لن يجيب فالسؤال غير واضح .. .لكن الشيخ صمت لحظة ثم عاد يتحدث ... '' جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب مجموعة من أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في مثل سن الميت يبكي بحرقة ، شاركني الغسيل ، وهو بين نشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما دموعه فكانت تجري بلا انقطاع ، وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر ، ولسانه لايتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا بالله ... هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً ... بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت بالشاب : إن الله أرحم بأخيك منك ، وعليك بالصبر التفت نحوي وقال: إنه ليس أخي --ألجمتني المفاجأة ، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب-- نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعز أليّ من أخي ، سكت ورحت أنظر إليه بتعجب بينما واصل حديثه: إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة المدرسة ، ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم - كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة ، ثم نعود لنلتقي ، تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً ... التحقنا بعمل واحد ، تزوجنا أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين ، رزقني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رُزق ببنت وابن ، عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ، وتنتهي الأحزان عندما نلتقي ، اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة .. .نذهب سوياً ونعود سوياً ... واليوم ... توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء - يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا ... خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، قلت : لا .. لا يوجد مثلكما . .أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله .. .أنتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبله ، لقد كان المشهد مؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننت أنه سيهلك في تلك اللحظة .. .راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه .. .أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه ... وبعد الصلاة توجهنا بالجنازة إلى المقبرة ، أما الشاب فقد أحاط به أقاربه فكانت جنازة تحمل على الأكتاف ، وهو جنازة تدب على الأرض دبيباً ، وعند القبر وقف باكياً ،
يسنده بعض أقاربه ، سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو .. .انصرف الجميع .. .عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ،
وتقف عنده الكلمات عاجزة عن التعبير .. .وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ، أخذت اتأملها ، الوجه ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ]ولكن أين شاهدته ... نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه .. .تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً ... يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه ... يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده ، بالأمس كان يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء .. .انقشع الحجاب ،
تذكرته ،تذكرت بكاءه ونحيبه .. .رددت بصوت مرتفع : كيف مات ؟- قال : عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند صلاة العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر على خديه ، رحمه الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون ...- قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اصبر واحتسب ،
اسأل الله أن يجمعه مع رفيقه في الجنة ، يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي ... قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه .. .توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة ... لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً ..
.قلت في نفسي مستحيل : منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل ... أنزلناه في قبره ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد ، يالها من قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمعت القبور بينهما أمواتاً .. .خرجت من القبر ووقفت ادعو لهما : اللهم أغفر لهما وأرحمهما ، اللهم واجمع بينهما في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومسحت دمعة جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما ... '' انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني الدهشة ، لا إله إلا الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت للشيخ وسمعت هذه القصة المثيرة ، والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها ... وأخذت ادعو لهما بالرحمة والمغفرة