فتدبرة السبب في ذلك فعرفته .ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك ،
فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظه عند سماع الموعظة و بعدها ،
لسببين : أحدهما :
أن المواعظ كالسياط ، و السياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت و قوعها .
و الثاني :
أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة ،
قد تخلى بجسمه و فكره عن أسباب الدنيا ، و أنصت بحضور قلبه ،
فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها ، وكيف يصح أن يكون كما كان ؟ .
و هذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر :
فمنهم من يعزم بلا تردد ، و يمضي من غير التفات ، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا ، كما قال حنظلة عن نفسه : نافق حنظلة ! و منهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً ، و يدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً ، فهم كالسنبلة تميلها الرياح ! و أقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه ، كماء دحرجته على صفوان .