العجيبه Admin
عدد المساهمات : 815 نقاط : 2639 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
| موضوع: أول سفراء الاسلام 8/6/2011, 06:09 | |
|
مصعب بن عمير أول سفراء الاسلام
هذا رجل من أصحاب محمد
ما أجمل أن نبدأ به الحديث.
غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:
" كان أعطر أهل مكة"..
ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به
"مصعب بن عمير"
.. ذلك الفتر الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة،
ولؤلؤة ندواتها ومجالسها،
أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟
بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"،
أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم
"محمد" عليه الصلاة والسلام..
ولكن أي واحد كان..؟
ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..
لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين
صلى الله عليه وسلم.. "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا.
وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد. وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا
همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه،
كانفتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه،
زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون
مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله
كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..
ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه،
يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها..
هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم"
فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار،
بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم
يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.
ولم يكد مصعب يأخذ مكانه،
وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه،
ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة،
حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم
بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج،
والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط..
وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة
ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!
**
كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها،
وكانت تهاب الى حد الرهبة.. ولم يكن مصعب حين أســـــــــــــلم
ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة ســـــــــوى امـــــــــــــه.
فلو أن مــــــــــــكة بل أصنامها وأشــــــــــــــــرافها وصحرائها،
استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين..
أما خصومة أمــــــــــــــــــــــه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمــــــرا.
وظل يتردد على دار الأرقـــــــــــــــــــــــــــــــــــم، ويجلس الى
رســــــــــول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه،
وبتفاديه غضب أمــــــــه التي لا تعلم خبر اســــــلامه خـــــبرا..
ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها ســــــــــــــــــــر،
فعيون قريش وآذانها على كل طريـــــــــــق، ووراء كل بصمة
قــــــدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية.. ولقد أبصر به
"عثمان بــن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقــــــــــم.. ثم
رآه مرة أخرى وهو سصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وســــلم،
فسابق ريح الصحراء وزوابعها، شاخصا الى أم مصعب، حيث
ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها.. ووقف مصعب أمام أمه،
وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين
الحـــــق وثباته، الـقرآن الــذي يغسل به الرســــول قلوبهم،
ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى. وهمّت أمه أن تسكته
بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أم
استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه
جلالا يفرض الاحـــــــــــترام، وهدوءا يفرض الاقناع.. ولكن،
اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى،
فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..
وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارهــا،وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك،حتى خـرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا.. ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون. ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان، ولقد فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم..
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله،
فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت
بعض عيونهم دمعا شجيّا.. ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا
باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه
كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة،
شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة،
وقال: " لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم
عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!
لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة..
وأبت أن يأكل طعامها انسان هجرالآلهة وحاقت به لعنتها،
حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!
ولقد كان آخر عهدها به
حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة.
فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فود عته باكية، وودعها باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم
واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن..
فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها:
اذهب لشأنك،
لم أعد لك أمّا.
اقترب منها وقال:
"يا أمّه اني لك ناصح،
وعليك شفوق،
فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة:
" قسما بالثواقب،
لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف غقلي"..!!
وخرج مصعب من العنمة الوارفة التي كان يعيش فيها
مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر،
لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب،
يأكل يوما، ويجوع أياما ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة،
والمتألقة بنور الله،
كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...
**
وآنئذ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها:
أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا
وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله،
ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
كان في أصحاب رسول الله يومئذ
من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها،
وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار
مصعب الخير،
وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة،
ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة
التي ستكون دار الهجرة،
ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة،
بعد حين من الزمان قريب..
وحمل مصعب الأمانة
مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق،
ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه،
فدخلوا في دين الله أفواجا..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها
وليس فيها سوى اثني عشر مسلما
هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة،
ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة،
كان مسلمو المدينه يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا
يمثلهم وينوب عنهم..
وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة..
جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم
"مصعب ابن عمير".
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..
فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.
وعرف أنه داعية الى الله تعالى،
ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى،
والى صـــــراط مستقيم.
وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..
هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة"
يفشيان معا القبائل والبويت والمجالس،
تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه،
هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة
الله (انما الله اله واحد)..
ولقد تعرّض لبعض المواقف
التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه،
لولا فطنة عقله، وعظمة روحه..
ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير"
سيد بني عبد الأشهلب المدينة، فاجأه شاهرا حربته
ويتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم..
ويدعوهم لهجر آلهتهم ،
ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل،
ولم يألفوه من قبل..!
ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها
واذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها،
فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..
أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم،
فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا
مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي،
وثورته المتحفزة، حتى وجلوا..
ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا..
وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
"ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟
اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
وفي مثل هدوء البحر وقوته..
وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته..
انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه
فقال:
"أولا تجلس فتستمع..؟!
فان رضيت أمرنا قبلته..
وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
الله أكبر.
ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!
كان أسيد رجلا أريبا عاقلا..
وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره،
فيدعوه أن يسمع لا غير..
فان اقتنع ، تركه لاقتناعه
وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم،
وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..
هنالك أجابه أسيد قائلا:
أنصفت..
وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن،
ويفسر الدعوة التي جاء بها
محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،
حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق..
وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!
ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه
حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
"ما أحسن هذا القول وأصدقه..
كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟
وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا،
ثم قال له مصعب:
"يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".
فعاب أسيد عنهم غير قليل
ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه،
ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله..
وســــرى الخبر كالضوء..
وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع،
وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت باسلامهم النعمة،
وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون:
اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ،
وسعد بن عبادة قد أسلموا،
ففيم تخلفنا..؟
هيا الى مصعب، فلنؤمن معه،
فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!
**
لقد نجح أول سفراء
الرسول صلى الله عليه وسلم
نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل،
وبه جدير.. وتمضي الأيام والأعوام،
ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة،
وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها،
لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين..
وتقوم غزوة بدر،
قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم
ويسعون الى الثأر، وتجيء غزوة أحد..
ويعبئ المسلمون أنفسهم،
ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم
وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة
ليختار من بينها من يحمل الراية..
ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواء..
وتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال،
ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام،
ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل
بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين،
لكن عملهم هذا،
سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة..
ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل،
وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونة..
حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين،
ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر،
فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير،
ومضى يجول ويتواثب..
وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه
ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه،
وجرّد من ذاته جيشا بأسره..
أجل،
ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
يد تحمل الراية في تقديس..
ويد تضرب بالسيف في عنفزان..
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه،
يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..
لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم
في حياة مصعب العظيم..!!
يقول ابن سعد:
أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري،
عن أبيه قال:
مصعب بن عمير اللواء يوم أحد،
فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس،
فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول:
وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه،
فضرب يده اليسرى فقطعها،
فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول:
وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح،
ووقع مصعب، وسقط اللواء].
وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..
كان يظن أنه اذا سقط،
فسيصبح طريق القتلة الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..
ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام
من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى
يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:
(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)
هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها،
ويكملها، ويجعلها، قرآنا يتلى..
**
وبعد انتهاء المعركة المريرة،
وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا،
وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة
رسول الله يصيبه السوء،
فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا
قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله،
وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!
لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!
**
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة..
يقوا خبّاب بن الأرت:
]هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله،
نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله..
فمنا من مضى،
ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا،
منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد..
فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة..
فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه،
واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه،
فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
اجعلوها مما يلي رأسه،
واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء
الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة،
وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض
دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده..
وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه
الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
على الرغم من كل هذا،
فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..
أجل..
وقف الرسول صلى الله عليه وسلم
عند مصعب بن عمير
وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي مفن بها
وقال لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك.
"ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟!
وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام
وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة
بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:
"ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
"أيها الناس زوروهم، وأتوهم، وسلموا عليهم،
فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة،
الا ردوا عليه السلام"..
**
السلام عليك يا مصعب..
السلام عليكم يا معشر الشهداء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
| |
|