الأمل في حياة المؤمن
اعلموا أن اليأس ملازم للكفر، كما أن الأمل ملازم للإيمان، وليس بعجيب أن تجد أصناف اليائسين بغزارة وكثرة بين الجاحدين لله البعيدين عن شرع الله، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].. وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] يتجلى هذا اليأس في الشدة ونزول الشر كما ذكر الله: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ [هود:9].. وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً [الإسراء:83].. وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:49] لكن استثنى الله صنفاً واحداً فقال: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [هود:11] فلو خسر في تجارة، أو رسب في مدرسة، أو حصل له فشل في شيء فإنه لا ييئس ولا يقنط؛ لأن أمله مستمر برب رءوف رحيم
المؤمن أوسع الناس أملاً.
لماذا؟
السبب: أن المؤمن يؤمن بأن هناك إلهاً رحيماً قديراً يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويمنح الجزيل، ويغفر الذنوب، ويقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، أرحم من الوالدة بولدها، وأبر بخلقه من أنفسهم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يفرح بتوبة عبده أشد من فرحة من أضل شيئاً إذا وجد ضالته، والغائب إذا وفد، والظمآن إذا ورد. إله يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ويزيد، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو، إله يدعو المعرض عنه من قريب، ويتلقى المقبل عليه من بعيد، ويقول: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) إله يداول الأيام بين الناس؛ فيبدل من بعد الخوف أمناً ومن بعد الضعف قوة، ويجعل من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً .. ومع كل عسر يسراً، فلذلك يأمل المؤمن فيه.
هذا مبعث الأمل وهذا هو السر: الاعتصام بالإله البر الرءوف الرحيم العزيز الكريم الفعال لما يريد، يعيش المؤمن على أمل لا حد له، ورجاء لا تنفصم عراه، إنه دائماً متفائل، ينظر إلى الحياة بوجه غير الذي ينظر إليها الكافر، لا ينظر إلى الحياة بوجه عبوس قمطرير، فهو إذا حارب فهو واثق بالله أنه سينصره؛ لأنه مع الله والله معه: إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:172-173].
إذا مرض لم ينقطع أمل المؤمن أبداً من العافية: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:78-80].
إذا اقترف ذنباً أو جرماً المؤمن لم ييئس من المغفرة، ومهما كان الذنب عظيماً فإن عفو الله أعظم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
والمؤمن إذا أعسر وضاقت ذات يده أمل في الله ولم يزل إيمانه فيه عظيماً لقوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] ولن يغلب عسرٌ يسرين ولو دخل العسر جحراً لدخل اليسر حتى يخرجه.
والمؤمن إذا انتابته كارثة من كوارث الزمن ووقعت به المصيبة؛ فإن أمله في الله مازال موجوداً، كيف يكون موجوداً والولد قد مات؟ كيف يكون موجوداً والبيت قد احترق، والمال قد ذهب؟ إنه موجود في رجاء الأجر على احتساب المصيبة بالصبر : الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا بإيماننا آمنين مطمئنين وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين, وأن يتوب علينا إنه هو البر الرءوف الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.