العجيبه Admin
عدد المساهمات : 815 نقاط : 2639 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
| موضوع: سعد بن أبي وقاص - الأسد في براثنه 8/16/2011, 16:40 | |
|
سعد بن أبي وقاص - الأسد في براثنه
أقلقت الأنباء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما جاءته تترى بالهجمات الغادرة التي تشنها قوات الفرس على المسلمين.... وبمعركة الجسر التي ذهب ضحيتها في يوم واحد أربعة آلاف شهيد.وبنقض أهل العراق عهودهم، والمواثيق التي كانت عليهم.. فقرر أن يذهب بنفسه لبقود جيوش المسلمين، في معركة فاصلة ضد الفرس. وركب في نفر من أصحابه مستخلفا على المدينة علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه.. ولكنه لم يكد يمضي عـــــن المدينة حتى رأى بعض أصحابه أن يعـــــــود، وينتدب لهذه الهمة واحدا غـــيره من أصحابه.. وتبنّى هذا الرأي عــــــبد الرحمن بن عــــوف، معلنا أن المخاطرة بحياة أمير المؤمنين على هــذا النحو والاسلام يعيش أيامه الفاصلة، عمل غير سديد
وأمر عمر أن يجتمع المسلمون للشورى ونودي الصلاة جامعة_ واستدعي علي ابن أبي طالب، فانتقل مع بعض أهل المدينة الى حيث كان أمير المؤمنين وأصحابه.. وانتهى الرأي الى ما نادى به عبد الرحمن بن عوف، وقرر المجتمعون أن يعود عمرالى المدينة، وأن يختار للقاء الفرس قائدا آخر من المسلمين ونزل أمــــير المؤمنين على هذا الرأي، وعاد يسأل أصحابه: فمن ترون أن نبعث الى العــــــراق؟؟ وصمتوا قليلا يفكرون ثم صاح عبد الرحمن بن عـــــوف: وجدته..!! قال عمر: فمن هو؟ قال عبد الرحمن: "الأســـــد في براثنه.. سعد بن مالك الزهري" وأيّد المسلمون هذا الاختيار، وأرسل أمـــير المؤمنين الى سعد بن مالك الزهري "سعد بن أبي وقاص" وولاه امــــــــارة العـــراق، وقيادة الجيش فمن هــــــــو الأســــــــــد في براثنه من هذا الذي كان اذا قدم على الرسول وهو بين أصحابه حياه وداعبه قائلا: "هـــــــــذا خالي..فليرني امرؤ خاله"
انه سعد بن أبي وقاص جده أهيب بن مناف، عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لقد عانق الاسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان اسلامه مبكرا، وانه ليتحدث عن نفسه فيقول: "ولقد أتى عليّ يوم، واني لثلث الاسلام"..!! يعني أنه كان ثالث أول ثلاثة سارعوا الى الاسلام.. ففي الأيام الأولى التي بدأ الرسول يتحدث فيها عن الله الأحد، وعن الدين الجديد الذي يزف الرسول بشراه، وقبل أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم ملاذا له ولأصحابه الذين بدءوا يؤمنون به. كان ســعد ابن أبي وقاص قد بسط يمينه الى رسول الله مبايعا. وانّ كتب التارييخ والسّير لتحدثنا بأنه كان أحد الذين أسلموا باسلام أبي بكر وعلى يديه.. ولعله يومئذ أعلن اســــلامه مع الذين أعلنوه باقناع أبي بكر ايّاهم، وهــــــم عثمان ابن عفان، والزبير ابن العوّام، وعبد الرحمن بن عــــوف، وطلحة بن عبيد الله. ومع هــــذا لا يمنع سبقه بالاسلام سرا ****** ****** وان لسعد بن أبي وقاص لأمجاد كثيرة يستطيع أن يباهي بها ويفخر.بيد أنه لم يتغنّ من مزاياه تلك، الا بشيئين عظيمين أولهما: أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأول من رمي أيضا. وثانيهما : أنه الوحيد افتداه الرســــــول بأبويه فقال له يوم أحد: " ارم سعد فداك أبي وأمي" أجل كان دائما يتغنى بهاتين النعمتين الجزيلتين، ويلهج يشكر الله عليهما فيقول:" والله اني لأوّل رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ".ويقول علي ابن أبي طالب: " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدا بأبويه الا سعدا، فاني سمعته يوم أحد يقول: ارم سـعد.. فــــداك أبي وأمي" كان سعد يعدّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له ســـــــــــــلاحان رمحه ودعاؤه. اذا رمى في الحرب عدوّا أصابه.. واذا دعا الله دعــــــاء أجابه..!! وكان، وأصحابه معه، يردّون ذلك الى دعاء الرسول له.. فذات يوم وقد رأى الرسول صلى الله عليه وســلم منه ما سرّه وقرّ عينه، دعا له هذه الدعـــــــوة المأثورة.. " اللهم سدد رميته.. وأجب دعوته". ******** وهــــــكذا عـــــــرف بين اخوانه وأصحابه بأن دعوته كالسيف القاطع، وعرف هو ذلك نفسه وأمره، فلم يكن يدعو على أحد الا مفوّضا الى الله أمره. من ذلك ما يرويه عامر بن سعد فيقول: " رأى ســـــــعد رجلا يسب عليا، وطلحة والزبير فنهاه، فلم ينته، فقال له: اذن أدعو عليك، فقال ارجـــل: أراك تتهددني كأنك نبي..!! فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين، ثم رفـــع يديه وقال: اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبّ أقواما سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قـــــد أسخطك سبّه ايّاهم، فاجعله آية وعبرة.. فلم يمض غير وقت قصير، حتى خرجت من احدى الدور ناقة نادّة لا يردّها شيء حتى دخلت في زحـــام الناس، كأنها تبحث عن شيء، ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها.. ومــــا زالت تتخبطه حتى مات".. ان هذه الظاهرة، تنبىء أوّل ما تنبىء عــــن شفافية روحه، وصدق يقينه، وعمق اخلاصه. ************
وكذلكم كان سعد، روحه حر.. ويقينه صلب.. واخلاصه عميق. وكان دائب الاستعانة على دعم تقواه باللقمة الحلال، فهو يرفض في اصرار عظيم كل درهم فيه اثارة من شبهة..ولقد عاش سعد حتى صار مــــــن أغنياءالمسلمين وأثريائهم، ويـوم مات خلف وراءه ثروة غـــــير قليلة.ومـع هذا فاذا كانت وفرة المال وحــلاله قلمايجتمعان ،فقد اجتمعا بين يدي سـعد.أذ آتاه الله الكثيرالحــال، الطيب. وقدرته على جــــــمع المال مــن الحلال الخالص، يضاهيها، قدرته في انفاقه في ســــبيل الله.في حجة الوداع، كان هناك مع رســـــول الله صلى الله عليه وسـلم، وأصابه المرض ،وذهب الرســـول يعوده، فساله ســـــعد قائلا:"يا رســــول الله، اني ذو مال ولا يرثني الا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قـــــــال النبي: لا. قلــــــت: فبنصفه؟ قـــــــال النبي: لا! قلـــــــــت: فبثلثه.؟ قال النبي: نعم، والثلث كثير! انك ان تذر ورثتك أغــــــــــــــنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وانك لــــن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها، حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك"..ولم يظل سعد أبا لبنت واحدة.فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين ************
وكان سعد كثير البكاء من خشية الله. وكان اذا استمع للرسول يعظهم، ويخطبهم، فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملؤ حجره.وكان رجلا أوتي نعمة التوفيق والقبول. ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه، رنا بصره الى الأفق في اصغاء من يتلقى همسا وسرا. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:" يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة".وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذا السعيد الموفق المحظوظ.وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبي وقاص.ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا اياه في الحاح أن يدله على ما يتقرّب الى الله من عمل وعبادة، جعله أهل لهذه المثوبة، وهذه البشرى فقال له سعد:"لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد.غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا"هذا هو الأسدـــ في براثنه، كما وصفه عبد الرحمن بن عوف.. وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادســـــية العظيم.. كانت كل مزاياه تتألق أما بصيرة أمير المؤمنين وهـــو يختاره لأصــعب مهمة تــــــواجه الاســـــــــلام والمسلمين انــه مستجاب الدعوة.اذا سأل الله النصر أعطاه اياه زانه عفّ الطعمة.عـف اللسان.. عف الضمير وانه واحد من أهل الجنة.. كما تنبأ له الرســــــــول وانه الفارس يوم بدر. والفارس يوم أحد. والفارس في كل مشهد شهده مع رســـول الله صلى الله عليه وســـــــلم *************
وأخرى،لا ينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرهــــــا بين لخصائص التي يجب أن تتوفر لكل مـــــن يتصدى لعظائم الأمور، تلك هي صلابة الايمان.. ان عمر لا ينسى نبأ ســـعد مـع أمه يوم أســــلم واتبع الرسول.. يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عن سبيل الله.فلجأت أمه الى وسيلة لم يكن أحــــد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه الى وثنية أهله وذويه.لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب، حتى يعود ســعد الى دين آبائه وقومه،ومضت في تصميم مستميت تواصل اضرابها عــن الطعام والســـــراب حتى أوشكت على الهلاك.كل ذلك وســـعد لا يبالي، ولا يبيع ايمانه ودينه بشيء،حتى ولو يكون هذا الشيء حياة أمه وحين كانت تشرف على المــوت ، أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت.وذه سـعد ورأى مشهد يذيب الصخر.. بيد أن ايمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر، وعلى كل لاذ، فاقترب بوجهه من وجه أمه، وصاح بها لتسمعه:" تعلمين والله يا أمّه. لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء..فكلي ان شئت أو لا تأكلي وعدلت أمه عن عزمهتا ونـــــزل الــوحي يحيي موقف سعد، ويؤيده فيقول: ( وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) أليس هــــــــــو الأســـــــــــــد في براثنه حقا.؟؟ ..............
اذن فل يغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم به الفرس
المجتمعين في أكثر مـن مائة ألف من المقاتلين المدربين .المدججين
بأخطر ما كانت تعرفه الأرض يومئذ مــن عتاد وسلاح.. تقودهم أذكى
عقول الحرب يومئذ، وأدهى دهاتها.أجل الى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة.
خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لا غير.. في أيديهم رماح.. ولكن في
قلوبهم ارادة الدين الجديــــد بكل ما تمثله من ايمان وعنفوان، وشوق
نادر وباهر الى الموت و الى الشهادة..!!
والتقى الجمعان.
ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..
وأن ســـــــعدا هناك ينتظر نصائح أمير المؤمنين عمر وتوجيهاته..
وها هـــو ذا كتاب عمر اليه يأمره فيه بالمبادرة الى القادســـــــــــية،
فانها باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:
" يا سعد بن وهيب..
لا يغرّنّك من الله، أن قيل: خال رســول الله وصاحبه، فان الله ليس
بينه وبين أحد نسب الا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في
ذات الله سوء. الله ربهم، وهم عباده. يتفاضلون بالعافية، ويدركون
ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رســول الله صلى الله
عليه وسلم منذ بعث الى أن فارقنا عليه، فالزمه، فانه الأمــــــــــر."
ثم يقول له:
" اكتب اليّ بجميع أحوالكم.. وكيف تنزلون..؟
وأين يكون عدوّكم منكم..
واجعلني بكتبك اليّ كأني أنظر اليكم"..!!
ويكتب سعد الى أمير المؤمنين فيصف له كل شيء
حتى انه ليكاد يحدد له مـــوقف كل جندي ومكانه.
...
وينزل سعد القادسية، ويتجمّع الفرس جيشا وشعبا،
كما لم يتجمعوا من قبل، ويتولى قيادة الفرس أشهر
وأخطر قوّادهم "رستم".. .....
ويكتب سعد الى عمر، فيكتب اليه أمير المؤمنين:
" لا يكربنّك ما تسمع منهم، ولا ما يأتونك به، واستعن بالله،
وتوكل عليه، وابعث اليه رجالا من أهل لنظر والرأي والجلد،
يدعونه الى الله.. واكتب اليّ في كل يوم.."
ويعود سعد فيكتب لأمير المؤمنين قائلا:
" ان رستم قد عسكر ب ساباط وجرّ الخيول والفيلة وزحف علينا".
ويجيبه عمر مطمئنا مشيرا..
ان سعد الفارس الذكي المقدام، خال رسول الله، والسابق الى الاسلام،
بطل المعارك والغزوات، والذي لا ينبو له سيف، ولا يزيغ منه رمح..
يقف على رأس جيشه في احدى معارك التاريخ الكبرى، ويقف وكأنه
جندي عادي. لا غرور القوة، ولا صلف الزعامة، يحملانه على الركون
المفرط لثقته بنفسه.. بل هو يلجأ الى أمير المؤمنين في المدينة وبينهما
أبعاد وأبعاد، فيرسل له كل يوم كتابا، ويتبادل معه والمعركة الكبرى على
وشك النشوب، المشورة والرأي...
ذلك أن سعدا يعلم أن عمر في المدينة لا يفتي وحـــــــده،
ولا يقرر وحجه.. بل يستشير الذين حوله مـــن المسلمين
ومن خيار أصحاب رسول الله.. وسعد لا يريد بـــرغم كل
ظروف الحرب، أن يحرم نفسه، ولا أن يحرم جيشه، مــن
بركة الشــــــــــــورى وجدواها، لا سيّما حين ..يكون بين
أقطابها عمر الملهم العظيم
**
وينفذ سعد وصية عمر، فيرسل الى رستم قائد الفرس
نفرا من صحابه يدعونه الى الله والى الاســــــــلام..
ويطول الحوار بينهم وبين قائد الفرس،
وأخيرا ينهون الحديث معه اذ يقول قائلهم:
" ان الله اختارنا ليخرج بنا من يشاء من خلقه من الوثنية الى التوحيد.
ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الحكام الى عدل الاسلام..
فمن قبل ذلك منا، قبلنا منه، ورجعنا عنه،
ومن قاتلنا قاتلناه حتى نفضي الى وعد الله.."
ويسأل رستم: وما وعد الله الذي وعدكم اياه..؟؟
فيجيبه الصحابي:
" الجنة لشهدائنا، والظفر لأحيائنا".
ويعود لبوفد الى قائد المسلمين سعد، ليخبروه أنها الحرب..
وتمتلىء عينا سعد بالدموع..
لقد كان يود لو تأخرت المعركة قليلا، أو تقدمت قليلا.. فيومئذ كان
مرضه قد اشتد عليه وثقلت وطأته.. وملأت الدمامل جسده حتى ما
كان يستطيع أن يجلس، فضلا أن يعلو صهوة جواده ويخوض عليه
معركة بالغة الضراوة والقسوة..!!
فلو أن المعركة جاءت قبل أن يمرض ويسقم، أولوأنها استأخرت حتى
يبل ويشفى، اذن لأبلى فيها بلاءه العظيم. أما الآن.ولكن، لا، فرســول
الله صلى الله عليه وسلم علمهم ألا يقول أحدهم: لو...لأن لو هذه تعني
العجز، والمؤمن القوي لا يعدم الحيلة، ولا يعجز أبدا..
عنئذ هب الأسد في براثنه ووقف في جيشه خطيبا، مستهلا خطابه
بالآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم..
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)
وبعد فراغه من خطبته، صلى بالجيش صلاة الظهر، ثم استقبل جنوده
مكبّرا أربعا: ...الله أكبر... الله أكبر.. الله أكبر... الله أكبر.. ودوّى
الكن وأوّب مع المكبرين ، ومد ذراعه كالسهم النافذ مشيرا الى العــدو،
وصاح في جنوده: هيا على بركة الله..
وصعد وهو متحاملا على نفسه وآلامه الى شرفة الدار التي كان ينزل
بها ويتخذها مركزا لقيادته..وفي الشرفة جلس متكئا على صدره فوق
وسادة.باب داره مفتوح.. وأقل هجوم مـــــن الفرس على الدار يسقطه
في أيديهم حيا أو ميتا.. ولكنه لا يرهب ولا يخاف..
دمامله تنبح وتنزف، ولكنه عنها في شغل، فهو من الشرفة يكبر ويصيح..
ويصدر أوامره لهؤلاء: أن تقدّموا صوب الميمنة.. ولألئك: أن سدوا ثغرات
الميسرة.. أمامك يا مغيرة.. وراءهم يا جرير.. اضرب يا نعمان.. اهجم يا
أشعث.. وأنت يا قعقاع.. تقدموا يا أصحاب محمد..!!
وكان صوته المفعم بقوة العزم والأمل، يجعل من كل جندي فردا،
جيشا بأسره.. وتهاوى جنود الفرس كالذباب المترنّح.ز وتهاوت
معهم الوثنية وعبادة النار..!!
وطارت فلولهم المهزومة بعد أن رأوا مصرع قائدهم وخيرة جنودهم،
وطاردهم كالجيش المسلم عتى نهاوند.. ثم المدائن فدخلوها ليحملوا
ايوان كسرى وتاجه، غنيمة وفيئا..!
**
وفي موقعة المدائن أبلى سعد بلاء عظيما..
وكانت موقعة المدائن، بعد موقعة القادسية بقرابة عامين،
جرت خلالهما مناوشات مستمرة بين الفرس والمسلمين،
حتى تجمعن كل فلول الجيش الفارسي ويقاياه في المدائن
نفسها، متأهبة لموقف أخير وفاصل..
وأدرك سعد أن الوقت سيكون بجانب أعدائه . فقرر أن يسلبهم
هذه المزية.. ولكن أنّى لهذلك وبينه وبين المدائن نهر دجلة في
موسم فيضانه وجيشانه.. هنا موقف يثبت فيه ســـــعد حقا كما
وصفه عبد الرحمن بن عوف الأسد في براثنه..!!
ان ايمان سعد وتصميمه ليتألقان في وجه الخطر،
ويتسوّران المستحيل في استبسال عظيم..!!
وهكذا أصدر سعد أمره الى جيشه بعبور نهر دجلة..
وأمر بالبحث عن مخاضة في النهر تمكّن من عبور هذا النهر..
وأخيرا عثروا على مكان لا يخلو عبوره من المخاطر البالغة..
وقبل أن يبدأ الجيش الجيش عملية المرور فطن القائد سعد
الى وجوب تأمين مكان الوصول على الضفة الأخرى التي
يرابط العطو حولها.. وعندئذ جهز كتيبتين..
الأولى: واسمها كتيبة الأهوال وأمّر سعد عليها عاصم ابنعمرو
والثانية: اسمهاالكتيبة الخرساء وأمّر عليها القعقاع ابن عمرو..
وكان على جنود هاتين الكتيبتين أن يخوضوا الأهــــوال
لكي يفسحوا على الضفة الأخرى مكانا آمنا للجيش العابر
على أثرهم.. ولقد أدوا العمل بمهارة مذهلة..
ونجحت خطة سعد يومئذ نجاحا يذهل له المؤرخون..
نجاحا أذهل سعد بن أبي وقاص نفسه..
وأذهل صاحبه ورفيقه في المعركة سلمان الفارسي
الذي أخذ يضرب كفا بكف دهشة وغبطة،
ويقول:
" ان الاسلام جديد..
ذلّلت والله لهم البحار، كما ذلّل لهم البرّ..
والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجا، كما دخلوه أفواحا"!!
ولقد كان .. وكما اقتحموا نهر دجلة أفواجا،
خرجوا منه أفواجا لم يخسروا جنديا واحدا،
بل لم تضع منهم شكيمة فرس..
ولقد سقط من أحد المقاتلين قدحه،
فعز عليه أن يكون الوحيد بين رفاقه الذي يضيع منه
شيء، فنادى في أصحابه ليعاونوه على انتشاله، ودفعته
موجة عالية الى حيث استطاع بعض العابرين التقاطه..!!
وتصف لنا احدى الروايات التاريخية،
روعة المشهد وهم يعبرون دجلة، فتقول:
[أمر سعد المسلمين أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل..
ثم اقتحم بفرسه دجلة، واقتحم الناس وراءه، لم يتخلف
عنه أحد، فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه الأرض
حتى ملؤا ما بين الجانبين، ولم يعد وجه الماء يرى من
أفواج الفرسان والمشاة، وجعل الناس يتحدثون وهـــــــم
يسيرون على وجه الماء كأنهم يتحدون على وجه الأرض؛
وذلك بسبب ما شعروا به من الطمأنينة والأمن،
والوثوق بأمر الله ونصره ووعيده وتأييده]..!!
ويــــــــوم ولى عمر سعدا امارة العراق، راح يبني للناس ويعمّر.
كوّف الكوفة، وأرسى قواعد الاسلام في البلاد العريضة الواسعة.
وذات يوم شكاه أهـــــــــــــل الكوفة لأمير المؤمنين.
لقد غلبهم طبعهم المتمرّد، فزعموا زعمهم الضاحك،
قالوا:" ان سعدا لا يحسن يصلي"..!!
ويضحك سعد من ملء فاه، ويقول:
"والله اني لأصلي بهم صلاة رسول الله..
أطيل في الركعتين الأوليين، وأقصر في الأخريين"..
ويستدعيه عمر الى المدينة، فلا يغضب، بل يلبي نداءه من فوره..
وبعد حين يعتزم عمر ارجاعه الى الكوفة، فيجيب سعد ضاحكا:
" اأتمرني أن أعود الى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة"..؟؟
ويؤثر البقاء في المدينة..
وحين اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي اللـــه عنه وأرضاه،
اختار من بين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ستة رجال،
ليكون اليهم أمر الخليفة الجديد قائلا انه اختار ستة مات رسول
الله وهو عنهم راض.. وكان من بينهم ســـــــعد بن أبي وقاص.
بل يبدو من كلمات عمر الأخــــــــيرة، أنه لو كان مختارا لخلافة
واحدا من الصحابة لاختار سعدا..
فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم:
" ان وليها سعد فذاك..
وان وليه غيره فليستعن بسعد".
**
ويمتد العمر بسعج.. وتجيء الفتنة الكبرى، فيعتزلها
بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا اليه شيئا من أخبارها..
وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه،
ويذهب اليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص،
ويقول له:
يا عم، ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.
فيجيبه سعد:
" أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا.. اذا ضربت
به المؤمن لم يصنع شيئا، واذا ضربت به الكافر قطع"..!!
ويدرك ابن أخيه غرضه، ويتركه في عزلته وسلامه..
وحين انتهى الأمر لمعاوية، واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:
مالك لم تقاتل معنا..؟؟
فأجابه:
" اني مررت بريح مظلمة، فقلت: أخ .. أخ..
واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."
فقل زعاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى:
(وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا،
فأصلحوا بينهما، فان بغت احداهما على الأخرى،
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمـــــــــــــــــــــــــر الله).
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.
أجابه سعد قائلا:
" ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله:
أنت مني بمنزلة هرون من موسى الا أنه لا نبي بعدي"
**
وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة،
وقد جاوز سعد الثمانين،
كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.
ويروي لنا ولده لحظاته الأخيرة فيقول:
[ كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت وقــــال:
ما يبكيك يا بنيّ.؟؟ ان الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة]!!
ان صلابة ايمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله.
ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام،
وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق ايمان..
واذن ففيم الخوف..؟
[ ان الله لا يعذبتي أبدا، واني من أهل الجنة].
بيد أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه
ووصله برسوله.ومن ثمّ فقد أشار الى خزانته ففتوحها،ثم أخرجوا
منها رداء قديما قي بلي وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا:
[ لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر، ولقد ادخرته لهذا اليوم]..!!
اجــــــل، ان ذلك الثوب لم يعد مجرّد ثوب.. انه العلم الذي يخفق
فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا، صادقا شجاعا!!
وفـــــــــوق أعناق الرجال حمل الى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة،
ليأخذ مكانه في سلام الى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه
الى الله،.... ووجدت أجسامهم الكادحة . مرفأ لها في تراب البقيع وثراه
**
وداعا يا سعد..!!
وداعا يا بطل القادسية، وفاتح المدائن،
ومطفىء النار المعبودة في فارس الى الأبد..!!
عدل سابقا من قبل حسن العجيبه في 9/5/2011, 23:19 عدل 16 مرات | |
|
العجيبه Admin
عدد المساهمات : 815 نقاط : 2639 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
| موضوع: رد: سعد بن أبي وقاص - الأسد في براثنه 8/19/2011, 17:49 | |
| | |
|