الشدائد التي جرت على نبينا محمد صلوات الله عليه
وقد ذكر الله تعالى في محكم كتابه، الشدة التي جرت على محمد صلى الله عليه، وعلى آله الأخيار، فيما اقتصه من قصة الغار، فقال سبحانه: "إلاّ تنصروه، فقد نصره اللّه، إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه، وأيّده بجنود لم ترَوها، وجعل كلمة الّذين كفروا السفلى، وكلمةُ اللّه هي العليا، واللّه عزيز حكيم".
وروى أصحاب الحديث، ما يطول إعادته بألفاظه وأسانيده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما خاف أن يلحقه المشركون، حين سار عن مكة مهاجراً، دخل الغار هو وأبو بكر الصديق، فاستخفى فيه، فأرسل الله عنكبوتاً فنسج في الحال على باب الغار، وحمامة عششت، وباضت، وفرخت للوقت، فلما انتهى المشركون إلى الغار، رأوا ذلك، فلم يشكوا أنه غار لم يدخله حيوان منذ حين، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، ليريان أقدامهم، ويسمعان كلامهم، فلما انصرفوا، وأبعدوا، وجاء الليل، خرجا، فسارا نحو المدينة، فورداها سالمين.
وروى أصحاب الحديث أيضاً، من شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم، في المحن التي لحقته من شق الفرث عليه، ومحاولة أبي جهل، وشيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان صخر بن حرب والعاص بن وائل، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم، قتله، وما كانوا يكاشفونه به، من السب والتكذيب، والاستهزاء والفدع والتأنيب، ورميهم إياه بالجنون، وقصدهم إياه غير دفعة بأنواع الأذى والعضيهة والافتراء، وحصرهم إياه صلى الله عليه وسلم، وجميع بني هاشم في الشعب، وتخويفهم إياه، وتدبيرهم أن يقتلوه، حتى بعد، وبيت علياً عليه السلام، على فراشه، ما يطول اقتصاصه، ويكثر شرحه، ثم أعقبه الله تعالى، من ذلك، بالنصر والتمكين، وإعزاز الدين، وإظهاره على كل دين، وقمع الجاحدين والمشركين، وقتل أولئك الكفرة المارقين والمعاندين، وغيرهم من المكذبين الكاذبين، الذين كانوا عن الحق ناكثين، وبالدين مستهزئين، وللمؤمنين مناصبين متوعدين، وللنبي صلى الله عليه وسلم مكاشفين محاربين، وأذل من بقي بعز الإسلام بعد أن عاذ بإظهاره، وأضمر الكفر في إسراره، فصار من المنافقين الملعونين، والحمد لله رب العالمين.