عدد المساهمات : 815 نقاط : 2639 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
موضوع: [فضل الأمر بالمعروف وآدابه] 12/18/2011, 05:35
[فضل الأمر بالمعروف وآدابه]
وتحقيق ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها وقد قال تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: من الآية2). وهو كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله : أخلصه و أصوبه .
فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص : أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ، فالعمل الصالح لابد أن يراد به وجه الله تعالى ، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه وحده ؛ كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يقول الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه ، وهو كله للذي أشرك )).
وهذا هو التوحيد الذي هو أصل الإسلام وهو دين الله الذي بعث به جميع رسله وله خلق الخلق ، وهو حقه على عباده : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولابد مع ذلك أن يكون العمل صالحاً ، وهو ما أمر الله به ورسوله ، وهو الطاعة فكل طاعة عمل صالح وكل عمل صالح طاعة وهو العمل المشروع المسنون إذ المشروع المسنون هو المأمور به أمر إيجاب أو استحباب وهو العمل الصالح ، وهو الحسن ، وهو البر ، و هو الخير ، وضده المعصية والعمل الفاسد ، والسيئة ، والفجور والظلم .
ولما كان العمل لابد فيه من شيئين: النية والحركة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أصدق الأسماء حارث وهمام )) . فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية ، لكن النية المحمودة التي يتقبلها الله ويثيب عليها : أن يراد الله بذلك العمل . والعمل المحمود : الصالح ، وهو المأمور به ، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم اجعل عملي كله صالحاً ، واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً .
وإذا كان هذا حد كل علم صالح ، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه ، ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه ، وكما قال عمر بن عبد العزيز : من عبدالله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح ، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه : (( العلم إمام العمل والعمل تابعه )). وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً و اتباعاً للهوى كما تقدم ، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية و أهل الإسلام ، فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما . ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي ، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم ، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود .
ولابد في ذلك من الرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا كان العنف في شيء إلا شانه )) . وقال: (( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، ويعطي عليه مالا يعطي على العنف )). ولابد أيضاً أن يكون حليماً صبوراً على الأذى : فإنه لابد أن يحصل أذى ، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح : كما قال لقمان لابنه وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: من الآية17).
ولهذا أمر الله الرسل – وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بالصبر كقوله لخاتم الرسل ، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة ، فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة : (( يا أيها المدثر )) بعد أن أنزلت عليه سورة : (( اقرأ )) . التي به نُبئ فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4}وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ {5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ {6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ {7}) (المدثر:1-7) فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة ، وختمها بالأمر بالصبر ، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال : ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)(الطور: من الآية48) وقال تعالى وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل:10) . ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) (الأحقاف: من الآية35). ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت) (القلم: من الآية48) (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)(النحل: من الآية127) (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود:115) .
فلابد من هذه الثلاثة : العلم ، الرفق ، الصبر . العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه، والصبر بعده ، وإن كان كل من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال ، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد : (( لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه )).
وليعلم أن الأمر بهذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبة على كثير من النفوس ، فيظن أنه بذلك يسقط عنه ، فيدعه ، وذلك مما يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو أقل ، فإن ترك الأمر الواجب معصية ، فالمنتقل من معصية إلى معصية كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل ، وقد يكون الثاني شراً من الأول ، وقد يكون دونه ، وقد يكونان سواء ، فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمتعدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم ، وقد يكون ذنب هذا أعظم ، وقد يكونان سواء .