" عندما تصبح المرأة لعبة شطرنج
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ خلق الله الأرض ومن عليها ، وخلق آدم وأسكنه جنته ، لم تكن لتكتمل الحياة بدون خلق حواء ، زوجة لآدم وأنيسة له ، وجزء منه ، مما يدل على أن آدم وحواء مثال للزوجين المكملين لبعضهما ، فلا يمكن لحواء أن تنفصل عن آدم وتستقل عنه ، فحواء خلقت من ضلع آدم .
المرأة قبل الإسلام :
المرأة على مر التاريخ لها شأن ، إما في علو وإما في سفال ، ولا تزال حديث المجالس وأنيس النفوس ..
ولو تأملنا في حال المرأة عبر تاريخ البشرية ، لوجدنا أنها شغلت حيزاً ، وتبؤات مكاناً لا ينسى ، فمن أكرمها حينا أهانها أحياناً ، ومن أحبها يوماً أبغضها أياما ، ومن رفعها لحظة أسقطها أزمانا ، ومن قربها ساعة أبعدها أياما .
فكانت مكرمة مهانة ، مقربة بعيده ، محبوبة مبغوضة ، عالية ساقطة ، محترمة وضيعة ، يُحذر منها ويُؤلب عليها ، قرنت بالشيطان ووصفت بسقط المتاع ، وأنها لا روح لها ولا خلود ، وألزمت بالخدمة ، ويُكمم فاها كالبعير والكلب العقور ، فلا يحق لها الضحك والكلام ، وعدّت من المواشي المملوكة ، واعتبرت لعنة وينبوع المعاصي والشرور ، وهي أمرّ من الموت والصالح من ينجو منها ، وأنها شر لابد منه ،وآفة مرغوب فيها ، ومحبوبة فتاكة ، ومصيبة مطلية ومموهة ، هي باب من أبواب جهنم ، وباب الشيطان .
واختلف فيها هل هي إنسان لها روح أم لا ؟؟
فقرر : أنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب !!
لاحق لها في الحياة بعد موت زوجها بل تحرق معه وهي حية . وقدمت قرباناً للآلهة حتى ترضى أو لتأمر بالمطر والرزق .
وهي عبده سجينة منزلها ، تباع وتشترى ، وتباع بيع السوائم ، يوم حيضها يوم فراقها وإبعادها ، ويوم ولادتها يوم شؤم على أسرتها .
ورثت كميراث المتاع والمال ، وحرمت من الميراث ، لا شأن لها يذكر ، ولا أمر لها يجاب ، متعة متبادلة ، وزوجة مباحة ، وشهوة متنقلة ، ولعبة متداولة ،ودمية يلهى بها ، وعروس تزف لكل ضيف وحبيب .
المرأة في حضارة الإسلام :
وجاء الإسلام ليثبت للعالم ، أن المرأة مخلوق له قيمة مهمة ، وكيان قائم ، ونفس محترمة ، وعقل واع ، وقلب حاضر .
بعد أن كانت المرأة في الجاهلية ، بلا هوية ولا اعتراف ، إهمال لعقلها ، وإهانة لشخصها ، وذوبان لذاتها ، لا يراعى لها إحساس ، ولا يسمع لها صوت ، ولا أثر لوجودها ,.
جاء الإسلام فوجد امرأة مظلومة ، حقوقها مهضومة ، وكرامتها مسلوبة ، وعقلها محجوب ، تؤد في مهدها ، وتهان في حياتها ، تذل كرامتها ، ويعتدى على عفتها ، ويسلب حقها ، ويسرق مالها ، وينتهك عرضها ، ويسكت صوتها ، وتجرد من حيائها .
يوم ولادتها يوم مشئوم ،ويوم وأدها يوم مشهود .
فالرجل في الجاهلية يكرم خيله ، ويئد ابنته ، يغذي كلبه ، ويقتل فلذة كبده .
فجاء الإسلام ليشرق نوره على أرجاء الأرض ، ولينشر الحق والعدل ، ويزيل ظلام الجهل والظلم ، لينير القلوب والعقول ، ويمحو ظلمة النفوس والدروب .
جاء الإسلام ليحقق أمناً منشوداً ، ويثبت حقاً مسلوباً ، وينصر مظلوماً ، ويعز ذليلاً ، ويكرم عزيزاً .
جاء الإسلام ليرفع للمرأة قدرها ، ويثبت وجودها ، ويحترم ذاتها ، ويرد لها اعتبارها ، ويكرم شأنها ، ويعز رأيها ، ويزيل ظلمها ، ويضيء حياتها بطاعة ربها ، ويسعد قلبها بذكر ربها ، ويزين عمرها بهدي خالقها .
جاء الإسلام فاعترف بوجودها ، فأرسل لها السلام ربها ، وبشرها بما يسرها "فأقرأ عليها السلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .
واهتم بأمرها ، فسمع صوتها ، وأنزل قرآناً في شأنها ، " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " .
رفع شأنها ، وأعلى ذكرها ، وبالرجل ساوى أمرها " النساء شقائق الرجال "
صانها عن الأنظار ، وحفظها عن الأشرار ، فزينها بالحجاب وغض عنها الأبصار ، " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " وقال " ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ".
رد لها حقها المسلوب ، ومالها المغصوب ، ففرض لها إرثاً ،
" للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون " ، وقدّر لها مهراً ،
" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " ، وأوجب لها نفقة ، ففاقت الرجال مالاً.
قوىّ ضعفها ، وراعى حاجتها ، ولبى فطرتها ، فجعل الرجل قيماً عليها ، يتولى أمرها ، ويقضي حاجتها ، ويصلح شأنها ، فهي ملكة وهو حارس عرشها ، وهي أسيرة وهو قائد أسرها ، ومالك قلبها .
أحياها بعد موتها ، وأبقاها بعد فناءها ، وأوصى بها خيراً .
أكرمها أماً ، فجعل الجنة تحت أقدامها .
وأعزها زوجة ، فجعل السعادة على أبوابها .
وأحسن إليها بنتاً ، فبشر بالجنة من ابتلى بها .
حفظها من لهو الرجال ، ولعب الفجار ، فحدد عدد وعدة طلاقها ، وقيد عدد ضراتها .
أنصف أمرها ، ونصّف عقلها ، لئلا يحملها ما لا تطيق ، ولا يكلفها فوق ما تستطيع .
خلقها من ضلع أعوج ، ليلطف بها قيمها ، ويحذر من كسرها ، ويرفق بقلبها ، فإن قسى عليها كسرها ، وإن شدّ عليها علقها ، وإن رفق بها بقي عوجها ، وتمتع بها على نقصها .
عزّ رأيها ، واستشار عقلها ، وعمل بقولها ، فنجى الله بها أمة .
قبل هديتها ، وجبر بخاطرها ، حين شرب كأس لبنها ، فيّسرت على الأمة ، وخففت المشقة .
كرمها وقدّر فيها الذات ، فزوجها ربها من فوق سبع سموات .
طهّر نفسها ، وذب عن عرضها ، واستجاب دعوتها ، فأنزل براءتها ، وأنزل قرآناً يتلى في شأنها .
أكرمها وأسعدها وقرّ عينها ، ولمّ شتات قلبها ، فجعل بيتها لها قراراً ، ومخدعها سكناً وأماناً .
أجزل لها العطاء ، وأغدق عليها الجزاء ، فهي أمة قانتة ، وزوجة طائعة ، وامرأة صالحة .
المرأة في الواقع المعاصر :
واليوم في واقعنا المعاصر : نجد مظاهر ما قبل الإسلام تتكرر مع المرأة . وأشد مانراه ظاهراً ما كان في عصر الجاهلية الجهلاء من تلاعب بنكاحها ، واستمتاع بأنوثتها ، وحصر قيمتها في متعتها ، وتقييد حريتها ببضعها ، و المساومة بشرفها مقابل إعانتها والإحسان إليها .
ولا أدل على ذلك من ما يسمى في عصرنا الحالي :
(بزواج المسيار) .
فهو أشبه بركوب السيارة ، اسماً وفعلاً وزمناً .
فلم يأخذ من الزواج إلا اسمه ، وكذا من السيارة وصفها .
فراكب السيارة لا يلبث أن ينتهي به المطاف عند محطة معينة وموقف معين .
وكذا زواج المسيار من محطة إلى محطة ، ومن موقف إلى موقف ، فلا يقرر لهم قرار ولا يقف لهم مكان .
وراكب السيارة ، يتمتع بالقيادة ويستمتع بالرحلة مادام هو قائدها ، ولا يلبث أن يستلم القيادة راكب آخر ، يطلب نفس المتعة ، ويقود ذات المقود .
وراكب السيارة يركب وقتاً وينزل آخر ،و يقود زمناً ويرتاح أوقاتاً .
وكذا زواج المسيار له وقت ومدة ، ومحدد بزمن ومكان ، لا بقاء ولا استمرار ولا راحة ولا استقرار .
وراكب السيارة يشتري ويبيع ، ويعرض ويقدم ، ويؤجر ويهب ، ويصفها ويتغنى بها ، ويعلنها ويحسن الدعاية لها .
وكذا زواج المسيار يتزوج اليوم ، ويطلق غداً ، ويطلب اليوم ويعرض غداً ، ويخطب ويشتري اليوم ويبيع ويسوّق غداً ، يكسب اليوم الجولة ، ويتنازل غداً عن الفرصة .
اليوم عقد شراء واستمتاع ،وغداً عقد إعارة وهبة .
اليوم تملك وتمتع ، وغداً نقل قدم وتخلص .
اليوم زواج وغناء ، وغداً طلاق أو خلع أو شقاء وعناء .
ماسأة ومعاناة :
فالمرأة قد تصبر على الإهانة والإسقاط ، وتصبر على البغض والكره ، وعلى البعد والترك ، وتصبر على التهميش والإقصاء عن مسرح الحياة ، وتصبر على الظلم والإهانة ، وعلى الضرب والتعذيب ، وعلى القسوة والعنف ، ولكنها لا تصبر على استغلال أنوثتها والمتاجرة بعفتها ، والمساومة على شرفها .
فالمرأة يجرحها أن تكون لعبة متداولة ، ويدمي قلبها أن تصبح متعة متبادلة ، ويقتل كبرياؤها أن يتذوقها الرجل ثم يقدمها لصديقه ليذوق ما تبقى منها .
ويذبح حياءها ، أن تصير فاكهة المجالس الخاصة ، وفاتحة وخاتمة الأمنيات والرغبات ، والأهواء والشهوات .
وإني أهيب برجال قومي ، وحماة عرضي ، وعقلاء بلدي ، وشرفاء أهلي ، وحملة ديني ، وأمناء أمتي ، وقضاة بلدي ، وولاة أمري ، أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه ، وأن يدلوا بدلوهم ، ويسهموا بسهمهم ، في تدارك الأمر قبل استفحاله ، وعلاج داء سرى وباءه ، واستئصال ورم عظم خطره وظهر أثره ، حتى لا تهون المصيبة ، وتنتشر الرذيلة ، وتستمرأ الفاحشة ، وتصغر الخطي